سورة عبس - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (عبس)


        


{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أمّ مكتوم- وأمّ مكتوم أمّ أبيه، واسمه عبد الله بن شريح بن مالك ابن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي- وعنده صناديد قريش: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام. والعباس ابن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة، يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم- فقال: يا رسول اللَّه، أقرئني وعلمني مما علمك الله، وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه، فنزلت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه ويقول إذا رآه: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، ويقول له: هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين؛ وقال أنس: رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سوداء. وقرئ {عبس} بالتشديد للمبالغة؛ ونحوه: كلح في كلح {أَن جَآءَهُ} منصوب بتولى، أو بعبس، على اختلاف المذهبين. ومعناه: عبس، لأن جاءه الأعمى. أو أعرض لذلك. وقرئ {ءاأن جاءه} بهمزتين وبألف بينهما، ووقف على {عَبَسَ وتولى} ثم ابتديء، على معنى: ألأن جاءه الأعمى فعل ذلك إنكاراً عليه. وروى أنه ما عبس بعدها في وجه فقير قط، ولا تصدى لغني. وفي الإخبار عما فرط منه، ثم الإقبال عليه بالخطاب: دليل على زيادة الإنكار، كمن يشكو إلى الناس جانباً جنى عليه، تم يقبل على الجاني إذا حمى في الشكاية مواجهاً له بالتوبيخ وإلزام الحجة. وفي ذكر الأعمى نحو من ذلك، كأنه يقول: قد استحق عنده العبوس والإعراض لأنه أعمى، وكان يجب أن يزيده لعماه تعطفا وترؤفاً وتقريباً وترحيباً، ولقد تأدّب الناس بأدب الله في هذا تأدباً حسناً؛ فقد روي عن سفيان الثوري رحمه الله أنّ الفقراء كانوا في مجلسه أمراء {وَمَا يُدْرِيكَ} وأي شيء يجعلك دارياً بحال هذا الأعمى؟ {لَعَلَّهُ يزكى} أي يتطهر بما يتلقن من الشرائع من بعض أوضار الإثم {أَوْ يَذَّكَّرُ} أو يتعظ {فَتَنفَعَهُ} ذكراك، أي: موعظتك؛ وتكون له لطفاً في بعض الطاعات. والمعنى: أنك لا تدري ما هو مترقب منه، من تزكّ أو تذكر، ولو دريت لما فرط ذلك منك. وقيل: الضمير في {لَعَلَّهُ} للكافر. يعني أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام، أو يتذكر فتقرّبه الذكرى إلى قبول الحق؛ وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن. وقرئ {فتنفعه}، بالرفع عطفاً على يذكر. وبالنصب جواباً للعلّ، كقوله: {فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى} [غافر: 37]، {تصدى} تتعرض بالإقبال عليه، والمصاداة، المعارضة؛ وقرئ {تصدى} بالتشديد، بإدغام التاء في الصاد.
وقرأ أبو جعفر: {تصدى}، بضم التاء، أي: تعرّض. ومعناه: يدعوك داع إلى التصدي له: من الحرص والتهالك على إسلامهُ، وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ} [الشورى: 48]، {يسعى} يسرع في طلب الخير {وَهُوَ يخشى} الله أو يخشى الكفار، وأذاهم في إتيانك. وقيل: جاء وليس معه قائد، فهو يخشى الكبوة {تلهى} تتشاغل، من لهى عنه. والتهى. وتلهى.
وقرأ طلحة بن مصرف: {تتلهى}، وقرأ أبو جعفر {تلهى} أي: يلهيك شأن الصناديد، فإن قلت: قوله: {فَأَنتَ لَهُ تصدى}، (فأنت عنه تلهى) كأن فيه اختصاصاً قلت: نعم، ومعناه: إنكار التصدي والتلهي عليه، أي: مثلك خصوصاً لا ينبغي له أن يتصدى للغنيّ ويتلهى عن الفقير.


{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)}
{كَلاَّ} ردع عن المعاتب عليه، وعن معاودة مثله {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} أي موعظة يجب الاتعاظ والعمل بموجبها {فَمَن شَآء ذَكَرَهُ} أي كان حافظاً له غير ناس، وذكر الضمير لأنّ التذكرة في معنى الذكر والوعظ {فَى صُحُفٍ} صفة لتذكرة، يعني: أنها مثبتة في صحف منتسخة من اللوح {مُّكَرَّمَةٍ} عند الله {مَّرْفُوعَةٍ} في السماء. أو مرفوعة المقدار {مُّطَهَّرَةٍ} منزهة عن أيدي الشياطين، لا يمسها إلا أيدي ملائكة مطهرين {سَفَرَةٍ} كتبة ينتسخون الكتب من اللوح {بَرَرَةٍ} أتقياء. وقيل: هي صحف الأنبياء كقوله: {إِنَّ هذا لَفِى الصحف الأولى} [الأعلى: 18] وقيل السفرة: القرّاء وقيل: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.


{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)}
{قُتِلَ الإنسان} دعاء عليه، وهي من أشنع دعواتهم لأنّ القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها. و{مَا أَكْفَرَهُ} تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله، ولا ترى أسلوباً أغلظ منه، ولا أخشن مساً، ولا أدل على سخط، ولا أبعد شوطاً في المذمة، مع تقارب طرفيه، ولا أجمع للأئمة على قصر متنه ثم أخذ في وصف حاله من ابتداء حدوثه، إلى أن انتهى وما هو مغمور فيه من أصول النعم وفروعها. وما هو غارز فيه رأسه من الكفران والغمط وقلة الالتفات إلى ما يتقلب فيه وإلى ما يجب عليه من القيام بالشكر {مِنْ أَىّ شَيْء خَلَقَهُ} من أي شيء حقير مهين خلقه، ثم بين ذلك الشيء بقوله: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} فهيأه لما يصلح له ويختص به. ونحو {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2]، نصب السبيل بإضمار (يسر) وفسره بيسر والمعنى: ثم سهل سبيله وهو مخرجه من بطن أمّه. أو السبيل الذي يختار سلوكه من طريقي الخير والشر بإقداره وتمكينه، كقوله: {إِنَّا هديناه السبيل} [الإنسان: 3] وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: بين له سبيل الخير والشر {فَأَقْبَرَهُ} فجعله ذا قبر يوارى فيه تكرمة له، ولم يجعله مطروحاً على وجه الأرض جزراً للسباع والطير كسائر الحيوان. يقال: قبر الميت إذا دفنه. وأقبره الميت. إذا أمره أن يقبره ومكنه منه. ومنه قول من قال للحجاج: أقبرنا صالحاً {أَنشَرَهُ} أنشأه النشأة الأخرى. وقرئ {نشره} {كَلاَّ} ردع للإنسان عما هو عليه {لَمَّا يَقْضِ} لم يقض بعد، مع تطاول الزمان وامتداده من لدن آدم إلى هذه الغاية {مَآ أَمَرَهُ} الله حتى يخرج عن جميع أوامره، يعني: أنّ إنساناً لم يخل من تقصير قط.

1 | 2